الضحك العدواني.. كيف تصير العنصرية نكتة؟
التهكم عدوان ناعم، والكوميديا من مضادات التعاطف؛ تقلص الكوميديا استجابة الإنسان العاطفية، وقد تكون السخرية ضربًا مما يسميه علم النفس «العدوان السلبي». لا بد ههنا من التذكير بقول عالمة النفس جانيت جِبسون: “الفكاهة تقوم مقام المزلِّق”!
إن الإغراق في السخرية في حد ذاته ينطوي على شيء من السيكوباثية. هل تريدون دليلًا؟ انظروا إلى أكثر المقاطع المصورة رواجًا في وسائل التواصل الاجتماعي، ستجدون أنها مواقف الطرائف، التي تظهر بعض لحظات التعاسة التي يمر بها أحد الأشقياء. إن رؤية شخص وقع بطريقة غير متوقعة قادرة على إضحاكنا رغم أنفنا.

إن ما قد يكون للبعض مأساة ربما يدغدغنا رغمًا عنا. وهو ما عبر عنه الكوميدي الأمريكي ميل بروكس، عندما عرَّف الكوميديا بطرافة لا تخلو من بصيرة، حين قال: «التراجيديا هي حين أقطع إصبعي، والكوميديا هي حين تسقط أنت في بالوعة!». إننا نضحك رغم أننا لو كنا في الموقف نفسه لبكينا الدماء. ولمثل هذا رأى سانتيانا في الفكاهة شيئًا من اللاعقلانية، [ربما لم يستطع أن يصدق أن الإنسان بلغ من الجنون أن يضحك من مآسي الآخرين] حتى ذهب -في شيء من الإنكار النفسي- إلى أن المفارقة أو الإهانة ليست هي ما تسرنا؛ بل الإثارة والمحاكاة المتولدة عنها، أما المفارقة أو الإهانة نفسها فتبقى غير سارة.
فإن سألناه: وما حملك على هذا الظن يا سانتيانا؟ لقال كلامًا فحواه وخلاصته الخرافة الأرسطية: أننا حيوانات عقلانية، وكان آية ذلك -في زعمه- أننا لا نلاحظ المفارقات في أحلامنا؛ فكأن المفارقة ليست في الشيء ذاته بل هي إسقاط من صنع العقل الواعي، ومن ثم فعندما ننام لا نلاحظ هذه المفارقات (فلا نضحك منها). ربما كان سانتيانا فيلسوف حازم حتى أثناء نومه، لعله من الذين ينامون بربطة العنق من شدة الاحترام، أما أنا -توت- فأضحك ملء رئتاي في أحلامي، وأحيانًا أنتبه من منامي من صوت ضحكي! [هع، سانتيانا المسكين! كأنه عاش ومات قبل أن يكتشف النوع الإنساني!] وهنا قد يسألني سائل: هل ترمي إلى أن الإنسان قرد ضاحك لأنه عدواني بالسليقة؟ والإجابة القاطعة هي: نعم جدًا، وحسبك أن تراقب الأطفال؛ فلا يوجد في الطبيعة حيوان أشد عدوانًا -بعد حيتان الأوركا- من الطفل البشري!
وإن كانت الفكاهة، والسخرية تحديدًا، عدوانًا، فقد تكون عدوانًا متحضرًا أيضًا. وإن سمح لنا فرويد بتنقيح مقولته، فإن أول متحضر في التاريخ ألقى بدل الحجر نكتة. فلا غرو أن جاءت أول نكتة موثقة في التاريخ من بلاد الرافدين [أعف حضرات القراء عن حكيها].
إن ذلك الغاضب النبيل القديم، أرسى أحد أقدم مبادئ الديمقراطية: سخر من عدوه بدلًا من أن يجز عنقه بالسلاح -لنلاحظ جيدًا أن جذر كلمة الاستهزاء أو التهكم في الإنجليزية (sarcasm) من الفعل σαρκάζειν (ساركازين) في اليونانية الفصحى، ويعني: «نهش اللحم البشري»! وههنا حق علينا أن نذكر عادة الإغريق الطريفة في مهرجان كرونيا العظيم، حين اعتاد العبيد سب أسيادهم والهزء منهم في هذا الموسم بطرب وحرية، دونما خشية من العقوبة، وهو ضرب ديمقراطي من التحضر يسمح بنفث الضغن والترويح عن النفس المكلومة، وفيه تذكير بمساواة العصور الخوالي قبل اختراع المجتمع ونشأة المدينة.
لا تشيع الكوميديا في الأمم شبه الهمجية، كما قال ميريديث وبحق، فالتحضر شرط الكوميديا، لماذا؟ لأن الكوميدي -والكلام لميريديث- يحتاج إلى جمهور مثقف يتحمل فكاهته مهما بلغت من الحدة والمرارة. وهذا صحيح؛ إساغة الكوميديا تقتضي قدرًا من التسامح، لا يتحمله الهمج. [هل فكاهة المصريين آية بليغة من تحضرهم القديم؟ ربما، وربما تحضرهم كان سببه ذلهم ثم كانت فكاهتهم!] ويحسن بنا هنا التنبيه للفارق بين الكوميديا والسخرية، وبين الفكاهة والتهكم، فابتلاع الفكاهة بصدر رحب تحضر، لكن الاستهزاء والسخرية والتهكم قد تكون عدوانًا وحشيًا كالاغتيال النفسي أيضًا؛ لأن الأذى البدني قد تدمله الأيام، أما السخرية فعاهةٌ مزمنة، إنها تدوم ما دام التاريخ، فهي تضحية بالسمعة بدلًا من التضحية بالجسد. لهذا كان الهجاء (المقابل العربي لفن السخرية اليوناني) وهو من أقانيم الكوميديا، من أسباب القتل في زمن الإمبراطورية الإسلامية؛ إذ كان سلاحًا إعلاميًا فتاكًا آنذاك. وحسْبك أن تعرف أن سمعة قبيلة عربية تمرغت في الوحل منذ قرون طائلة حتى يومنا هذا، بسبب بيت هجاء واحد:
فغض الطرف إنك من نمير /// فلا كعبًا بلغت ولا كلابا
وههنا نتبين أن النكتة المنفِّسة للتوتر قد تكون قاتلة في الآن نفسه. لمثل هذه الحالات، قال أرسطو: «المزاح ضربٌ من الأذى، ولمَّا كان المشرِّعون يحظرون أشكالًا من الأذى، كان أحرى بهم تضمين المزاح ضمنه. فخليقٌ بالإنسان الفاضل الراقي أن يكون كمن ينفذ القانون على نفسه» أي لا يمازح أحدًا بما لا يقبله على نفسه. فليس التنمر بالدحض والتفنيد، بل بالفكاهة ومشتقاتها فقط، وفي ذلك آية -السخرية قذرة، مثل الأسلحة المحرمة دوليًا.

آفة الإسفاف
آفة الكوميديا الإسفاف. حين تنفلت من مهمتها الأساسية: نقد عيوب الناس ومثالبهم، إلى الاستهزاء بهيئتهم والإزراء بخلقتهم. والعنصرية من آفات الكوميديا المزمنة، حتى أنها صارت من أسباب الضغائن العاملة في صدور أهل النوبة والسودان والصعيد، بل ويتوغل هذا الاستهزاء العنصري من السخرية بالعرق حتى شمل التهكم (بالمعنى اليوناني) الميول الجنسية والنوع الاجتماعي.
وهذا الإسفاف كان من أسباب اقتصاد أرسطو منها؛ حتى أخضع الفكاهة لوسطه الذهبي، واشترط أن تكون الفكاهة عَوَانًا بين قهقهة البله والبهاليل، وعبوس الحازمين الأجلاف. ولاحظ أن الكوميديا التي تخاطب البهاليل (الكوميديا القديمة) كانت تخاطبهم بلغة السوقة، أما الكوميديا الحديثة التي عاصرها فقد اشترع فيها الكتاب منهجًا يناسب ذوق المتأدبين في الفكاهة يقوم على التعريض والتكنية والغمز واللمز. فقد ميَّز أرسطو بين فكاهة السادة وفكاهة العبيد، فكاهة السادة والفضلاء والمثقفين تقوم على التعريض والتورية، أمَّا مزاح الرعاع والعوام والجهلة فدائرة على البذاءة والأذى.
في تسعينيات القرن المنصرم، اخترع بعض أشباه الموهوبين من الدخلاء على الفن في مصر ما يسمى بتيار «السينما النظيفة»، وكان الأولى بهم أن يعرفوا «الكوميديا النظيفة» الخالية من الهجاء، البريئة من الهزل والتهريج والاستهزاء. قد تؤدي الكوميديا وابنتها الشرسة: السخرية، إلى نفث الأحقاد، وهو ما تغص به الأفلام والتمثيليات والمسرحيات الكوميدية لدينا. الكوميديا المصرية صارت مثل نبتة الحامول؛ لها صورة الزهرة الخلابة، ورائحة البيض الفاسد.
إن استعمال أهل الصعيد في مصر، أو أهل القصيم في السعودية، أو أهل حمص في سوريا، أو البلجيكيين في فرنسا وهولندا، أو مواطني مقاطعة بايك في أمريكا، مادة للسخرية المرة، ليست -مهما خلصت النوايا- إلا عنصرية ملثمة بالدعابة؛ لأنها موبوءة بجرثومة التعميم والتنميط والاستهزاء. والفن الذي يختص بتنميق هذا التنمر والاستعلاء والغطرسة يُدعى اليوم زورًا كوميديا. وكانت مثل هذه المهازل تضحكنا قبل نحو عقدين، اليوم إذا صادفنا أمثالها نجد من يشجبون ما انطوت عليه من عنصرية بغيضة، وهذه آية على تقدم المجتمعات، والفضل في ذلك لحركة اللياقة الأدبية (political correctness) والعولمة ورسولها العظيمة: الإنترنت.
سؤال: لماذا يثير تنكر الرجال في صور سيدات الضحك في الأفلام والتمثيليات والمسرحيات المصرية؟ لاحظ أنك لا تكاد تجد هذا النوع من الكوميديا متواترًا في المجتمعات الغربية. حتى في بدايات المسرح الإنجليزي وقبله في المسرح الإغريقي، في العصور التي حرمت فيها النساء من التمثيل، كان الممثل الذكر يؤدي دور الأنثى، دون أن تصير المسرحية كوميدية. إذًا هذا النوع من الكوميديا لم يعرفه الغرب حتى في عصور ما قبل التقدم في الحقوق الاجتماعية.
فبمَ نفسر وجود هذا النوع من الكوميديا متواترًا لدينا الآن؟ التفسير المباشر: لأن المرأة الأوروبية، حتى عندما كانت متاعًا، قبل أن تسترد حقوقها – لم تكن إهانة أو عورة؛ أما في مجتمعاتنا فما زالت المرأة سُبة حتى اليوم. ونحن نضحك من مفارقة «إهانة» الذكر نفسه بأن صار أنثى، مثلما نضحك لرؤية رجل شديد الخطر تعثر فجأة وانزلق على قفاه. إن المفارقة هنا ليست إلا تعبيرًا عن استعلاء مضمر. (لاحظ أن تنكر المرأة في هيئة رجل لا يبعث على الضحك نفسه). قد يرد معترض: لكن لماذا تضحك نساؤنا أيضًا؟ لأنهن أصبن من الرجال بهذه العدوى البغيضة. إذًا ليست الآفة في تفشي وباء الكوميديا فحسب، بل الأدهى نوع الكوميديا المتفشية.

استعلاء عنصري
تقوم أغلب الفكاهة – لاسيما الفكاهة المصرية- على الافتعال، فإن نجت من الافتعال فتكاد لا تنجو من العنصرية أو الطبقية أو الطائفية أو التحيز الجنسي: بالهزء بخلقة الناس أو التهكم من هيئتهم، إما من دكنة بشرتهم، أو لثغة ألسنتهم، أو سمنتهم، أو نحافتهم، أو قصر قامتهم، أو طولهم، أو حَوَلِهم، أو تأخرهم العقلي أو ربما ميولهم الجنسية أو نوعهم الاجتماعي أو أي شيء مما يعده الساخر من ضروب العاهات، هنا يتخذ الضحك صورة سادية من العدوان والاضطراب العقلي. ولله در أريستوفانِس الذي قدّم لمسرحيته «السحاب» قبل عشرات القرون من اختراع اللياقة الأدبية- قائلًا إنه نزهها عن هذه المباذل العنصرية الوبيئة والحركات الرخيصة التي تأسر قلوب الجماهير.
ولا يخفى ما في «الفكاهة» المصرية -إن استحقت صفة الفكاهة- من العنصرية المقيتة، وهي من أسباب تسميم العلاقة بالشعبين النوبي والسوداني. لهذا قال أفلاطون إن سبب الضحك الاستعلاء؛ فأنت تضحك ممن تظن أنك أحسن منه، ولا أحد يضحك من النكتة التي تسخر به. ولننتبه جيدًا أن «التهكم» في العربية يفيد السخرية والتكبر معًا، بل والجذر الذي اشتُقت منه لفظة السخرية – أو السخر في العربية الفصيحة- هو نفسه الذي اشتُقت منه لفظة السخرة (الاستعباد)؛ فتأمَّل.
لهذا فإن أفلاطون لم يحرّم الضحك في جمهوريته عبثًا، ولم يشنع أرسطو على التفكه المتبذل بلا سبب، بل لما رأيا فيه من جهل واستعلاء ينبو عن تحري الحقائق. (لنتذكر مشهد قهقهة الفرنسيين من شيوخ الأزهر المصريين عندما أذهلتهم تجارب علماء الحملة كالأطفال أمام الحاوي). على أن أرسطو وجد في مذهب أستاذه غلوًا، فاتخذ لنفسه كعادته طريقًا وسطى، وحدد في «الأخلاق النيقوماخية» الفكاهة الجيدة من الرديئة باللغة البذيئة والإيذاء؛ فالفكاهة الجيدة لا تنحط في اللغة ولا تسبب لأحد أذى. وتساءل: «أينبغي أن نميز من يجيد المزح بأنه من يقول ما لا يعفُّ عنه الرجلُ الفاضلُ أم أنه من يتجنب التسبب في أذى أو يحاول إسعاد مستمعه؟ أم أن هذا التمييز عزيز التحديد لتفاوت الأمر؟ فالأشياء تكون مشجوبة أو مندوبة تبعًا لتفاوت الناس؟» وهذا ما لا يكاد يفطن له أرباب الكوميديا في بلادنا المعصوبة شبه الهمجية.
وقد التفت توماس هوبز -تحت تأثير حكيمي اليونان- إلى نقص مضمر في نفوس الساخرين، حين كتب في «الطاغوت» (Leviathan) أن الضحك ازدراء محض، وأن المرء يضحك إذا لاحظ عيبًا في غيره أو عاهة، إذ يقارن نفسه به فيشعر آنئذٍ بما سماه هوبز «الفخر المفاجئ». وأن هؤلاء الضاحكين «يفاضلون أنفسهم بمراقبة عيوب غيرهم من الناس». حتى استخلص من هذا التحليل النفسي حكمه القائل: «كثرة الضحك من عيوب الآخرين آية من آيات الجبن؛ لأن من فضائل أصحاب العقول الراجحة إعانة غيرهم وتخليصهم من الازدراء، وأنهم لا يقيسون أنفسهم إلا بمن يفوقهم». ومسألة علاقة الفكاهة بالجبن قد تعرضنا لها لمامًا، ولكن من ناحية غير التي نحاها هوبز، في مقال: «الضحك المأساوي.. لماذا يضحك المصريون؟».

فن الانحطاط
وناهيك من تقويض التعقل والتعاطف والمروءة في نفس الإنسان، فإن أخطر ما تدمره الكوميديا الفنون القيمة. الكوميديا -بكل أنواعها- آفة الفنون السامية. وإننا لنجد مثالًا بينًا في رواية «نوتردام باريس» التي كتبها فيكتو إيجو، على تسفيه كل رصانة بالكوميديا، التي تستلب الجمهور من الفن الرفيع. ففي هذه الرواية يقول الشاعر المسرحي بيير جرينجوار، الذي وَهِم أن في قدرته مقاومة الكوميديا: «إن سلطان الشعر على الناس عظيم، سأستعيد جمهوري، وسنرى أيهما يُكتب له النصر، المساخر أم الآداب الرفيعة». لكن ما حدث أنه مُني بهزيمة نكراء، إذ غادر الجمهور وترك مسرحيته التي تصور أرباب الأولمب، واتبعوا داعيهم إلى حفلة المساخر وتنصيب رئيس البهاليل.
وكتب أحد المترجمين (حتى لا نقول: المجرمين) على لسان المؤلف في إحدى الترجمات العربية المختصرة من الرواية المذكورة جملة تقول: «الشعر لا يستطيع مجابهة الكوميديا» [أقسم بشرفي إن فيكتور إيجو لم يكتب هذه الجملة في روايته بالفرنسية! لكن حسبنا من الجملة البديعة المنحولة موافقتها السياق] لا يمكن للشعر -وهو كناية عن الفنون القيمة- مضاهاة الكوميديا، معبودة الجماهير والرعاع، الوباء الذي يتهدد كل ذوق سليم.
والتلازم بين انحطاط الشعبوية والكوميديا جليلٌ للناظرين؛ فالكوميديا قلما تكون نخبوية، لذلك فالكوميديون مضطرون لمجاراة الجماهير ونفاقها، ولا بد أن نذكر أن أريستوفانِس حين تحرر من مباذل التهريج (slapstick) والمسرحيات الهزلية (farce) والنكات المقذعة الدائرة على الفحش، في «السحاب» درة عقد مسرحياته، كوفئت مسرحيته بأن لم تربح أي جائزة! لهذا فإن الجمهور في دول الاستبداد والديمقراطيات الشعبوية على السواء لا يؤتمن على تشجيع الفنون الرفيعة؛ التي لا يقدرها حق قدرها إلا الخاصة والنبلاء. كذلك لا ننسى هجوم الناقد الاسكتلندي جون نيكول على عميد الأدب الفكاهي في أمريكا: مارك توين، حين اتهمه بأنه الرجل الذي سعى في انحطاط المعايير الأدبية للشعوب الناطقة بالإنجليزية، بأدبه الساخر.
والجمهور يغفر للمضحك خفيف الظل من الأخطاء والجرائم ما لا يغفره لسواه. والسياسي مثل رجل الدين إذا وُهِب شيئًا من الظرف وخفة الظل لقادر على أن يأسر الناس أسرًا مهما اجترح من الأوزار، وأن يحقن عقولهم بما شاء من البهتان؛ فالناس لا يفكرون وهم يضحكون، ولا أدلَّ على ذلك من عميد الكتابة الساخرة في مصر: محمود السعدني. فهذا الرجل الظريف الماتع الذي لا يمل من حديثه ونوادره، قد بلغ من الصراحة أن أقرَّ بلسانه ما فحواه أنه كان مع الأسف أداةً لخدمة الجمهوريات المستبدة، بدءًا من عبد الناصر حتى صدام حسين، لكن القراء وجمهور المثقفين لا يكادون يلتفتون لهذه الصفحات السوداء في سيرته، ولا يلبثون كثيرًا عند هذا النزوع الوصولي في شخصه، لا يحملهم على هذا من سبب سوى ظرفه. مثلما يغفرون لبعض الشيوخ والمسوخ الخروج عن اللياقة وسلاطة اللسان بسبب الفكاهة، فلطالما كان الظرف «مكياج» المحتالين.