al-kunnasha.com
  • الرئيسية
  • فلسفة
  • ترجمة
  • ملف العدد
  • عن الكناشة
  • تواصل معنا
RSS
Montaigne (1752 x 670 px)

مقدمة مقالات مونتيني

كتب – محمد وهبة:
غلاف الترجمة العربية
غلاف الترجمة العربية

أنفع الكتب ما كان وقودًا للتفكير، لا خزانة لتحنيط المعلومات. وخير الأسْفار ما شحذ ألباب القراء، لا كان وسيلة للإلهاء، وإزجاء أوقات الفراغ. عزيزنا القارئ، ليس هذا من الكتب التي تقرأها وأنت مضطجع؛ فهو ليس من المصنَّفات سريعة الهضم، التي تُبْلغ مراميها من القراءة الأولى؛ بل هو من المؤلَّفات التي تلقِّح الألباب، وتبعث على التفكّر، وتفتح باب التأمل. وهو من أعزِّ كتب الفلسفة قدرًا، وأرفعها ذكرًا، وأذيعها أثرًا.

هذا الكتاب الذي نقدِّم له، من أمهات الكتب لدى أمم الغرب، ألفه حكيمٌ من أعاظم حكماء الأمة الفرنسية، من العصر الذهبي للنهضة الأوروبية. وبفضله ترك تأثيرًا لا يُجْحَد، في طائفةٍ من أنْبه عقول أوروبا، وفي صدارتهم فلاسفة عصر التنوير، ويكفي أن نحيطك علمًا -إن كنتَ لا تعلم- بأسماء نفرٍ منهم، لتقف على قدْر الكتاب، وفضل مؤلفه.

نذكر من جملة هؤلاء النبغاء الذين تأثروا بهذا الكتاب: فرنسيس بيكون، الذي بلغ من تأثير الكتاب فيه أن صنَّف كتابًا على مثاله، بالعنوان نفسه، ضارَع فيه أسلوبه! ووليام شكسبير، الذي اقتبس منه مشهدًا في مسرحيته «العاصفة». وديكارت، الذي كان لهذا الكتاب تأثيرٌ لا تخطئه عين، في نظريته في المعرفة، ونزعته الريبية وتحرره من الأحكام المسبقة. كما لا نغفل فولتير، الذي نافح بشراسة عن الكتاب وصاحبه ضد منتقديه، وعلى رأسهم بليز باسكال، الذي أزْرى بمؤلف الكتاب، بيْد أن ذلك لم يمنعه هو أيضًا من أن يتمثَّل به ويأخذ منه في براهينه، لا سيّما في رهانه الشهير.

ومن أولئك النبهاء أيضًا: مونتسكيو، الذي كان يحتفظ بنسخةٍ قديمةٍ منه في خزانته، وقد ظهر تأثره به في تحليله المقارن للقانون. وديدرو، الذي أعجب به أيَّما إعجاب، وتوسّع في النقل منه ضمن موسوعته، وكثيرًا ما استلهم منه تأملاته حول علاقة العالمين القديم والجديد. وجون جاك روسّو، الذي استمد منه فكرة «الهمجي النبيل» التي أقام عليها بعض فلسفته، ناهيك عن تأثره به في تحرره وجرأته في سرد سيرته. وديفيد هيوم، الذي طبعه الكتاب على نزعته الشكية، وكان له فضلٌ في نقده للسلطة والاعتقاد. وآدم سميث الذي استرفد منه في تحليله النظام الاجتماعي. وفريدريش نيتشه، وهو ربما أشد الألمان افتتانًا بالكتاب وبصاحبه، إذ دأب على قراءته منذ سن الخامسة والعشرين. وغيرهم كثيرٌ من أساطين الفكر، وأرباب البيان، ممن لا يحيط بهم إحصاء.

وهذا الكتاب، الذي نقِّدم له، إنما هو جمْهرة مقالات الحكيم الفرنسي ميشيل دو مونتينْي (1533 – 1592 م)، وهو فيلسوف كبير، وأديب نِحْرير، طوى بذراعيه الفلسفة القديمة، واستوعب آداب الأوَّلين؛ إذ هيّأ له اتقانه اللغة اللاتينية وإلمامه باليونانية، أن ينهل الفلسفة من مواردها، ويأخذ الأدب من مظانه، ولا أدلَّ على ذلك من هذا الكتاب، وهو أهم كتبه طرًا، خاض به لجج الفلسفة، وفتح منه أضابير التاريخ، وقطف فيه أزاهير الأدب.

كان مونتيني عضوًا في برلمان بوردو، وفي سن السابعة والثلاثين استعفى من منصبه، وفزع إلى العزلة، وفطم نفسه عن الدنيا، وانقطع إلى الدرْس في مكتبته، والتزم القراءة والتأمل والكتابة، وفحص حياة الإنسان وأحواله، وتنقل بين آثاره وأفكاره، وقلَّبه وجهًا على ظهر، حتى انتهى إلى هذه الخَطَرات، التي أودعها كتابه بعد شروعه في تأليفه سنة 1572 م وهو حينئذٍ ابن تسعٍ وثلاثين سنة، فنشر أول جزأين من كتابه سنة 1580 م، ثم تلاه الجزء الثالث سنة 1587 م، وقد امتدت إليه يده بالزيادة والتصحيح حتى وافته المنيّة سنة 1592م، وعليه فقد أنفق مونتيني في كتابة مقالاته ثماني سنوات، لكنه استغرق في تنقيحها عشرين سنة، وهكذا فإن الكُتَّاب العظماء ليسوا سوى مُنقّحِين دائبين.

وكان من مثالب تطاول الأمد في تحرير المقالات، وعددها مئة وسبع مقالات، أن جعلها تعج بالمتناقضات، وعقل المرء دائم التطور، والفكر يطرأ عليه التغير، فالإنسان مثل نهر هيراقليتوس، لا ينام ويصحو بالذهن نفسه. ولقد أفاد مونتيني من هذه السمة، واستحال العيب ميزة؛ فقد أجمع على حبه القراء على اختلاف مذاهبهم. وفي الوقت نفسه تمَّ له بعض ما عقد عليه عزمه، من جهة الاشتمال الذي أراده لكتابه، بعدما جمع فيه فأوعى، وأمحضه خلاصة تجربته، وأترعه بصفوة معارف عصره.

وناهيك عن سمة التناقض في مقالات مونتيني، فإنها تتفاوت في ما بينها تفاوتًا بيّنًا من جهة الحجم، فبعضها شذرة لا تتجاوز سطورًا معدودة، وبعضها الآخر يكاد يكون رسالة؛ كما أنها تتباين من حيث المضمون، إذ إن بعضها شخصي يمس حياة مونتيني، وبعضها الآخر عام، يحاول إجابة سؤال وجودي، الإنسان فيه علامة استفهام.

ومقالات مونتيني أصدق صورة لأدب عصر النهضة، وخير من يمثّله؛ فيها احتفاءٌ بآثار السلف من الإغريق والرومان، وولوعٌ بالنقل عنهم، وهي مكتوبة بالفرنسية لغة الشعب، لا اللاتينية لغة الصفوة؛ لنشر التنوير بين العامة، والنهوض بهم من حمأة الأوهام. وهو في طليعة المبشرين بالتنوير، بحسب طائفة المفكرين الموسوعيين، ومقالاته أول أناجيل الحداثة، إذا جاز القول.

لكن على أية حال، ليست غاية هذا التقديم التعريف بمونتيني؛ ففي متن هذا الكتاب مندوحة عن ذلك، فهو لا يتحدث إلا عن نفسه، هو ذا يقول: «أنا، أيها القارئ، مادة كتابي»؛ ولكن حسْبنا من هذا المقام التعريف بمكانة كتابه.

والحق أن كتاب مونتيني، الذي بين أيدينا الآن، كتابٌ فذٌّ من وجهين: أولًا، المقالات التي يضمُّها هي أولى المقالات في تاريخ الأدب. فمونتيني مخترع فن المقالة، وهو من ابتكر مصطلح المقالة «essai» (يعني حرفيًا «محاولة») في الفرنسية، وسرعان ما اقترضته الإنجليزية؛ فهو من هذا الوجه يجوز أن يكون فيلسوفًا في مسلاخ أديب، بقدر ما يكون أديبًا في مسلاخ فيلسوف، والفلسفة إذا تمثَّلت أدبًا استساغتها النفوس، وأقبل عليها عموم القراء.

وثانيًا، أنّ هذا الكتاب هو أول مؤلَّف أدبي فلسفي بلغة عامية في تاريخ الآداب الأوروبية. وهو ما يرقى بصاحبه إلى مصاف زمرة المجددين من الأدباء المتفلسفين، من طراز: أفلاطون في اليونانية، وابن المقفع في العربية، ودانتي ألّيجييري في الإيطالية، وتشوسر في الإنجليزية، وهلم جرًا من أئمة هذا الطراز، ومن يدخل في طبقتهم.

وهذا الكتاب وإن كان فريدًا في بابه، جديدًا في أسلوبه، بالنسبة للأمم الغربية إبّان صدوره، فإنه قريب الشبه، من كتب المنتخبات المبوَّبة المعروفة في تراثنا العربي، من أمثال: عيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبد ربه. فقد جمع فيه مؤلِّفه طرائف الأخبار، وروائع الأشعار، وبدائع الخطب، وفوائد الكتب. حتى إذا قرأتَ كتابه حسبته فرد الدنيا الذي ضنَّ الزمان بنظيره، فهو كثير التحصيل، واسع الدراية والرواية، قوي الحافظة، حاضر الشاهد، أخذ من كل فنٍ بطرف، ونتف من كل أدبٍ أفضله، وقطف من كل شعْرٍ أجوده، وانتخب من كل قولٍ أحكمه.

وليس للكتاب موضوعٌ على وجه التعيين، بل هو أضغاثٌ من موضوعاتٍ شتى، تغص بالحكايات والخطرات، الحافلة بالأفكار والتأملات، فيها معانقة الفلسفة والأدب، ومزاوجة التاريخ بالتراث الشعبي، وربما كان هذا من أسباب ذيوع هذا السِفْر الجليل؛ فالناس مذ كانوا مولعون بالنادر من الخبر، ويتحرّون طرائف السير، فصادف هذا الجنس من الكتابة هوًى في نفوس القراء، فكأن مونتيني أراد أن ينفق بضاعة الفلاسفة في السوق الكاسدة.

Montaigne (1752 x 670 px) - Copy

ومونتيني ليس كالمثقف السوربوني: علمه أكثر من عقله؛ فرغم تقديره الذي يبلغ حد التبجيل لأعلام نبلاء الإغريق والرومان، وولعه بالنقل عنهم والتمثّل بهم -وهي شنشنة من عصر النهضة- لكنه لا يقنع بالنقل دون إعمال العقل، بل نجده قد يستدرك على شاهدٍ، أو ينقد رأيًا مال عن جهة الصواب، أو يرد حكمًا زاغ به الشطط، فهو لا يقبل شيئًا إلا بعدما ينقده بعقله ويغربله بحكمه، اللهم إلا في القليل، ما ينبئ عن بحَّاثةٍ دؤوبٍ، ونقَّادةٍ مُتقِنٍ. فالنُقول في مقالاته تخدم أفكاره، وهي مطيّة أغراضه، التي يبلغ بها مقاصده.

وأمثال مونتيني لا ينقلها نقل المختال بذخائر خزانته، التي حَوَت نحو ألفٍ من الكتب، وقد يحدث أن من يتفلسف يتعجرف، أو يسرف في التعظُّم، بيد أن مونتيني لم يكن هذا دأبه، فهو على سعة اطلاعه، وقوّة حافظته، كثير الاعتذار عن نفسه، فتجده يشكو ضعف ذاكرته، ويندب وهن ذهنه، منتحلًا لنفسه كل عذرٍ عن أي خطأ زلَّ فيه قلمه. وهو كثير الاحتياط في أحكامه، ويؤثر تعليقها دون تحقيقها، وخير دليلٍ على ذلك عنوان كتابه، الذي سمّاه «محاولات» (أي تحتمل الصواب والخطأ) فقد نأى بقلمه عن الفصل في كل مسألة، تاركًا فسحة ذلك لقرائه.

لقد كتب مونتيني مقالاته وكأنه يكتب للجِبِّلة البشرية، لا لمواطني بلده وعصره فحسب، وهذه آية من أراد تسطير اسمه في لوح القدر؛ فالكتابة الخالدة ما كانت مجردة من الزمان، محررة من قيود الجغرافيا. وهو مع ذلك لا يتكلم من موقع المراقب المحايد، بل يتحدث بلسان المتورط الخبير؛ فيصف نوازع الذات، ويتوسع في استعراض الآراء، وسرد الأحداث، دون الشعور بأي غضاضة، أو الوقوع في إثم الغلو، أو التحيز لرأيٍ يمليه الهوى.

بقي أن نقول إن تحرر عقل مونتيني، وانفتاحه على كل الأفكار، حتى أسلمه إلى الريبية، كان له ضريبته أيضًا، وقديمًا قالوا: عثرة الوثَّاب شديدة، إذ رغم ما شهده كتابه من وقعٍ عظيمٍ بُعيْد نشره في فرنسا، وما أصابه من رواجٍ هائلٍ فور ترجمته في بريطانيا، ومن ثم انتشاره في ربوع أوروبا؛ فإن هذا الرواج كان وبالًا على الكتاب؛ فبعض آراء مونتيني التي سبق بها عصره، والجرأة التي انماز بها سرده، لم يتحمَّلها بعض أهل زمانه، واستفظعها بعض سدنة الكنيسة، فحدث أن دان زبانية محكمة التفتيش الكتاب، ووضعوه في قائمة الكتب المحظورة سنة 1676 م، وظل في القائمة حتى إلغائها عام 1966 م. لكن نواميس التطور أخذت مجراها، وانتصر التنوير، وانتشر الكتاب رغم أنف خصومه، حتى أثناء حظره، في بقاع البسيطة من أقصاها إلى أقصاها، وتُرجم حتى الآن إلى ما ينيف على ثلاثٍ وخمسين لغة.

والآن نزفُّ إليك، عزيزنا القارئ، الترجمة العربية الأولى لهذا الكتاب القيّم، وقد مضى على صدوره أول مرة، زهاء أربعة قرون ونصف القرن، وهي ترجمة نحسبها أمينة -وقلَّما يؤتمن المترجمون- دبّجها الدكتور فريد الزاهي، فأدّى المعنى وحفظ الأسلوب، وأخلص الغرض، وعني فيها بالتزام أسلوب مونتيني في الكتابة، من حيث السبْك والصياغة، حتّى لكأنك تقرأ الكتاب بلغته.

والنسخة التي ترجمها مترجمنا الفاضل هي النسخة التي حققها السيد جي دو بيرنو (Guy de Pernon) ونشرها سنة 2010 م، بالاعتماد على نسخة سنة 1595 م، وهي أول النسخ المنشورة بعد وفاة مونتيني، وقدَّمتْ لها ابنته بالتبني ماري دو غورنيه، فهي بذلك أكمل النسخ التي خطَّها المؤلف، وأقربها عهْدًا به.

ولقد كان في التصدي لترجمة هذا الكتاب جُرْأة تهيبتها دور النشر العربية، فهو مع ضخامة حجمه، وجزالة لغته، وكثرة شواهده وأمثلته، التي تربو على ألفٍ وثلاث مئة شاهدٍ ومثالٍ، من نصوصٍ بلغاتٍ شتى، منها: اللاتينية واليونانية والإيطالية والغاسكونية (إحدى اللغات الرومانية بفرنسا) -وهي في الأصل بخطٍ مائلٍ، وبخطٍ عريضٍ في الترجمة العربية- فهو موسوم كذلك بغزارة الأعلام المبثوثة فيه، من أسماء أشخاص وأماكن وقبائل وشعوب ومؤلَّفات إلخ، وقد بلغت ألفًا وسبع مئة وسبعة وأربعين علمًا، أكثرها من غير الفرنسية كاللاتينية واليونانية والإيطالية والإسبانية إلخ، وثلةٌ من هذه الأعلام غير مألوفٍ للقارئ العربي – جميعها وغيرها أمورٌ تفرض على ترجمة هذا الكتاب ومراجعته وضبطه، صعوبة سائرة إلى الاستعصاء.

Portrait_of_Michel_de_Montaigne,_circa_unknown

ولقد اضطلع مدققنا السيد محمد وهبة، بهذه المهمة؛ فقد دقق النص ترجمةً ولغةً ونحوًا وإملاءً مع ضبط الهوامش وعلامات الترقيم، واستدرك ما سقط سهوًا من الترجمة، وصحح بعض أخطائها القليلة، وعني بتدقيق الأعلام التي وقع فيها تحريف أو خطأ -وهي تربو على الألف منها ما يزيد عن سبعين علمًا محرفًا في الأصل الفرنسي وحده- وقد جاءت الأخطاء على خمس صور: الأعلام التي تُرْجِمت خطأً أو خُلط بينها وبين أخرى، والأعلام التي وقع خطأ في رسمها، والأعلام المحرّفة في النص الأصل وبقيت بلفظها في النص المترجَم، والأعلام المختصرة بحروف الابتداء وافتقرت للاكتمال، والأعلام المبهمة التي احتاجت لتوضيح.

أمّا الأعلام التي ترجمت خطأ، منها مثلًا: مدينة «صا الحجر» التي تُرجمت «سايس». وهذا الضرب من الأعلام يندرج تحته الأعلام التي خلط المترجم بينها وبين أعلام أخرى، مثل: الخلط بين الفيلسوف ديودوروس الكرونوسي والمؤرخ ديودوروس الصقلي. وأما الأعلام التي رُسِمَت خطأً، منها ما كان عن سوء فهم، مثل: الإمبراطور «كارلوس الخامس» الذي تُرجم باسم «شارل كينت»، ومنها ما جاء ترجمةً صوتيةً للفظ الفرنسي، وهو الأغلب، مثل: الفيلسوف «يوستوس ليبسيوس» الذي جاء باسم «جوست ليبس». وأما الأعلام المختصرة بحرف الابتداء، منها مثلًا: «ت. كورينكانيوس» وهو «تيبيريوس كورونكانيوس».

وأما الأعلام المحرَّفة في النص الأصل، وهي أعصى الأعلام على الضبط، فمثال عليها: بسامينيت (Psammenite) والصواب بسماتيك (Psammétique). وأغلب هذه الأعلام أغفلها المحقق، إشفاقًا على نفسه من الجهد اللازم للتحقق منها. وغني عن البيان أنها نقلت بألفاظها المحرفة كما هي في الترجمة العربية. وأما الأعلام المبهمة، وهي من أصعب الأعلام ضبطًا، منها مثلًا: شخصٌ يُدعى «أوكتافيوس» جاء غفلًا في أحد السياقات، وأعفى المحقق نفسه من تجشم مؤونة تحديده؛ لأن التاريخ الروماني حافل بأعلام كثر ممن تسموا بهذا الاسم، وتبيّن بعد مراجعة بعض المصادر أن المقصود به القنصل جنايوس أوكتافيوس (توفي 87 ق.م).

وقد استعنا على تدقيق أغلب هذه الأعلام بمقابلة نسخة جي دو بيرنو على نسخة المكتبة الفرنسية العامة (Librairie Générale Française) الصادرة سنة 2001 م، والنسخة التي حققها البروفيسور مايكل سكريتش (Michael Screech) وترجمها لدار بنجوين، طبعة سنة 2003 م، فضلًا عن الرجوع إلى بعض المصادر والمراجع الأخرى، للتثبت من الأعلام المحرفة أو المبهمة في النسخ الثلاثة.

وبعد أن أفرغنا وسعنا في تصحيح مواضع التحريف، وضبطنا جميع الأسماء كما تُنطق في لغاتها، باستثناء ما قد يبلبل القارئ، ويصرف ذهنه عن الاسم المراد؛ عمدنا -من خلال مدققنا- إلى إثبات ما رأيناه ضروريًا للقارئ العربي في حواشي الكتاب، من تعليقاتٍ أو تراجمَ مختصرةٍ لطائفةٍ من الأعلام؛ رفعًا للالتباس وإتمامًا للفائدة، وإشباعًا لنَهْمة القارئ المستزيد.

ونهاية القول، لمَّا كانت حركة الترجمة في عالمنا العربي أقرب إلى الركود منها للانتعاش؛ فمجموع ما تترجمه دولة مثل اليونان يفوق بخمسة أضعاف جميع ما تترجمه الدول العربية قاطبة في العام الواحد، بل إن مملكة إسبانيا تترجم في السنة الواحدة نحو مئة ألف كتابٍ وهو حاصل ما ترجمته الإمبراطورية العربية في أوج مجدها في عهد الخليفة المأمون – فما أحرانا أن نغذَّ السير، ونسرع الخطى، لنلحق بركب الحضارة.

ولقد كان من لُطْف الأقدار أنْ قَيَّضت دار «معنى»، لتتصدى لهذه الغاية، وتضرب بسهمٍ لسد هذه الثلمة، وتبعث الترجمة العربية من مرقدها، وتبُث فيها نسمة الحياة، بعد أفولٍ دام أمده، وانفراجٍ طال انتظاره، لاستنهاض غابر أمجاد الأسلاف، واستدراك ما فات الأوائل، منذ عصر النهضة العربية.

وإننا إذ نزجي للمكتبة العربية هذا الكتاب القيّم، ليكون مبتدأ سلسلةٍ من الكتب النفيسة، التي تُتَرجَم إلى العربية للمرة الأولى، الكتاب في عُنق الكتاب، راجين له ولما يتلوه من الكتب، القبول الحسن بين جمهور القُرَّاء؛ لا يفوتنا إهداء الشكر لسمو الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة؛ فلولا مساعيه المحمودة، وأياديه الغرَّاء، في دعم الثقافة بالمملكة ما كان لمثل هذا الكتاب أن يرى النور.

[هذه هي مقدمة الناشر التي كتبتها -و
أشرت فيها إلى نفسي بضمير الغائب- بطلب من الناشر: دار معنى للنشر والتوزيع]

Untitled design (2)

قصة الحلزون وشجيرة الورد

Like 1
Liked Liked
Untitled design (1)

معضلة البروز.. لماذا ينجح التافهون؟

Like 5
Liked Liked
Untitled design (2)

التسمم الذهني.. خطورة الفكاهة على العقل

Like 4
Liked Liked
Like 0
Liked Liked

↑

@ 2024 Al-Kunnasha. All rights reserved.
Powered by Al-Kunnasha