al-kunnasha.com
  • الرئيسية
  • فلسفة
  • ترجمة
  • ملف العدد
  • عن الكناشة
  • تواصل معنا
RSS
كيف تتحول العقدة النفسية إلى عقيدة؟

كيف تتحول العقدة النفسية إلى عقيدة؟

كتب – محمد وهبة:
صامويل هنتنجتون
صامويل هنتنجتون

الحضارات لا تتصادم ولا تتصارع، بل يكمل بعضها بعضاً؛ فالحضارة تتأبى الصراع وتتنزه عن الصدام ولا تترعرع إلا في ظلال الدعة والسلام، أما الصراع والصدام فإنه شنشنة من عصور البربرية الأولى، منذ عصور الكهف والصيد في البراري، التي ما زالت محفورة في مورِّثات نوعنا البشري. إن الحضارة اسم لا جمع له إلا في حدود اللغة المجازية، أما في الواقع فما من حضارات مختلفة، وإن هي إلا حضارة بشرية واحدة، تتخذ أطواراً تاريخية متعاقبة، وتتقمص ثقافات متعددة، بعضها نافع، ينسجم مع صيرورة التحضر، وبعضها الآخر خبيث يعرقل التقدم، ويؤخر وصول المستقبل، ويلعن الشعوب بالتخلف.

 

والثقافات المتخلفة، وهي جزء من ثقافات الحضارة المختلفة، يسيطر عليها أوهام في صورة عقد نفسية، هي أصل الداء وأم البلاء في عالمنا المعاصر، الذي يتفسخ بالإرهاب والعنصرية. إن ما سماه صامويل هنتنجتون “صداماً حضارياً” ليس إلا صدام عقد نفسية، تحتاج إلى تحليل وعلاج. وهذه العقد النفسية المجازية -فيما يتراءى لي- التي تبسّط الصراع بين ثقافات الشرق الغرب تبسيطاً مخلاً، لا تخرج عن ثلاث عقد: عقدة الصليبي، وعقدة المستعمر، وعقدة اليسار الإسلامي.

حسن البنا
حسن البنا

عقدة الصليبي

الإسلاميون ونسبة كبيرة من المسلمين، يعانون ما أسمّيه “عقدة الصليبي” أو “عقدة الفرنجة”. هذه العقدة تجعلهم غير قادرين على رؤية الغرب إلا من خلال عدسات مشوهة؛ فهم يرون الشعوب الغربية كتائب من الصليبيين” أو “النصارى الفرنجة” المتآمرين على المسلمين والحاقدين على الإسلام دائماً!

ومهما تعاملت الدول الغربية مع هؤلاء الإسلاميين بإنسانية وتسامح، لا يعاملون به المسيحيين الشرقيين في بلادهم، ومهما أنفقت عليهم من عشرات المليارات من المساعدات والإعانات والمنح الدراسية والمشروعات الخيرية وتوفير الحماية السياسية لهم باللجوء والكفالة والحماية القانونية بالإقامة المشروعة، تظل قلوب هؤلاء الإسلاميين مطوية على الضغن على الغرب. فلا هم ينظرون للغرب بعين الرضا، ولا يرضون عن شعوبه حتى يتبعوا ملتهم (الإسلام) أو يوافقونهم في كل رأي وقرار وقضية، وإلا يكونوا “صليبيين متآمرين حاقدين على الإسلام والمسلمين”!

والسبب في “عقدة الصليبي” التي تمنع الإسلاميين وكثيراً من المسلمين من الاندماج في الحضارة البشرية، أن الإسلاميين من الناحية الجغرافية يعيشون معنا على الكوكب نفسه، لكن من الناحية التاريخية فإنهم لم يخرجوا من القرنين الحادي عشر والثالث عشر، منذ زمن الحملات الصليبية. من المقطوع به أن الحملات الصليبية -بخلاف أسباب عقائدية أخرى- سببت لهؤلاء الإسلاميين صدمة (تروما) تاريخية، لم ينجحوا في تجاوزها منذ أكثر من ثمانية قرون.

احتل العرب إسبانيا لأكثر من سبعة قرون، ورغم ذلك فالشعب الإسباني اليوم من أكثر شعوب غرب أوروبا تعاطفاً مع قضايا العرب والمسلمين، لم يقل المواطن الإسباني -مثل نظيره العربي الإسلامي- “لا ينبغي لنا التعاطف مع هؤلاء، الذين احتلوا بلادنا بقوة السلاح في غابر الأيام” ولا قال: “إن هؤلاء العرب الإسلاميين يتآمرون على المسيحية”. تخيل عزيزي القارئ العربي المسلم لو كانت الحال معكوسة، فكيف كانت لتكون ردود أفعال العرب والمسلمين؟

دعك من القضايا السياسية، وتأييد كثير من شعوب المنطقة العربية والعالم الإسلامي للغزو البربري الروسي والعدوان الذي شنه بوتين على بلد مسالم مثل أوكرانيا، رغم أنها لم تتورط في أي عدوان على أي بلد عربي أو إسلامي، لكن من باب المكايدة في الغرب، والحقد عليه. دعك من كل هذا، هب مثلاً أن مصيبة أو كارثة طبيعية وقعت في إسبانيا -لا قدر الله- وانظر حجم الشماتة والتشفي في تعليقات قطعان من الإسلاميين على وسائل التواصل الاجتماعي!

هذه الظاهرة حقيقة بالفحص والتحليل، وطرحها على بساط النقاش، إن ما يسميه الإسلاميون “حقداً نصرانياً على الإسلام”، هو في حقيقة الأمر، إسقاط نفسي من الحقد الإسلامي على الغرب. هذا ليس عمى بصيرة أخذ شكل هيئة ديني، بل هو إسقاط نفسي في الأساس. إن من يحلل تعليقات “الزومبيات” الإسلامية في وسائل التواصل الاجتماعية، على أي كارثة أو عمل إرهابي يقع في أي دولة غربية أو ذات أغلبية مسيحية [أو حتى غير مسيحية!] يرى أن الحقد الحقيقي ههنا هو حقد الإسلاميين على المسيحيين والمسيحية (أو كل من هو غير مسلم) وليس العكس.

 

وعندما يظهر أحد المتعصبين من الطرف الآخر، مثل وزير الدفاع الأمريكي الحالي (والتيار الذي يمثله الذي لا يتعدى أقلية قليلة في الغرب) ويستجيب برد فعل مكافئ لكل هذا الغل والحقد والعداء الإسلامي الرهيب للغرب، فإنه يصبح في نظر هؤلاء الإسلاميين دليلاً على صحة رأيهم، أن المعركة الحضارية هي معركة دينية في الأساس، وأنها هرمجدون بين معسكر الإسلام ومعسكر “الكفر والضلال”. وأن جميع الحروب هي حروب صليبية لكن في صور شتى! وهذه هي النبوءة الإسلامية ذاتية التحقق (the Islamist’s self-fulfilling prophecy) في أبهى صورها.

عقدة المستعمر

وغلاة اليساريين لا سيما في الشرق، يعانون عقدة، تشبه “عقدة الصليبي” لدى الإسلاميين، وهي “عقدة المستعمر”؛ أغلب اليساريين الشرقيين توقف بهم الزمن عند القرن التاسع عشر، وغير قادرين على تخطيه. إنهم لا يستطيعون رؤية الغرب إلا في صورة كتائب من “المستعمرين” أو رجال أعمال “انتهازيين”، بسبب صدمة تاريخية أخرى، من “الرجل الأبيض”.

وجرياً على قاعدة “عدو عدوي صديقي” فإن تشابه العقدتين الإسلامية واليسارية، يسّرت تحالف اليساريين مع الإسلاميين؛ في هيئة من التعايش (Symbiosis) المعروف في الطبيعة؛ فاليساريون يحصلون على الدعم الشعبي الكاسح الذي يتمتع به الإسلاميون في الشرق الأوسط، من جهة، والإسلاميون يحصلون على الغطاء النخبوي والتنظيري لأفكارهم الرجعية من جهة أخرى، وبذا تندمج العقدتان: “عقدة الصليبي” ضد النصراني الفرنجي و”عقدة المستعمر” ضد الرجل الأبيض، في عقدة واحدة مركبة وهي “عقدة المستعمر الفرنجي الصليبي الرأسمالي”.

وعندما يتسبب هذا التحالف الإسلامي اليساري والعداء المضاعف ضد الغرب في رد فعل يميني شعبوي فاشي، ويترتب عليه صعود التيارات اليمينية المتطرفة في الغرب، يكون في نظر هؤلاء اليساريين دليلاً على أن الأنظمة الغربية عنصرية واستعمارية رأسمالية متوحشة في صميمها! وهذه هي النبوءة اليسارية ذاتية التحقق (the left’s self-fulfilling prophecy).    

 

اليساريون الشرقيون لا يستوعبون أن الجيل الحالي من الغربيين جيل مختلف كل الاختلاف عن المستعمرين وعتاة الرأسماليين الذي عاشوا في القرن التاسع عشر، قبل خمسة أجيال من الجيل الحالي. اليساريون الشرقيون لا يدركون أن الغربيين الحاليين هم أحفاد أحفاد الأحفاد، الذين تربوا على قيم ومبادئ مختلفة عن قيم ومبادئ أجداد أجدادهم، مثل باقي شعوب العالم.

إدوارد سعيد
إدوارد سعيد

ما من شعب من شعوب العالم تقريباً لم يغزُ ويسلب وينهب الشعوب والأقوام المحيطة به، حتى المصريون شنوا حملات عدوانية على الحبشة (أثيوبيا الآن) إبان حكم الخديوي إسماعيل، وقبل ذلك كان أجدادنا لقرون طويلة يخطفون الرجال والنساء والأطفال السود من الحبشة، لبيعهم في أسواق النخاسة في القاهرة القديمة (بسوق الجلابين في باب اللوق). لقد كنا في يوم من الأيام مستعمرين وتجار نخاسة في نظر المواطن الأثيوبي، وينبغي أن يؤخذ هذا التاريخ المشين في الحسبان عند النظر في الخلاف المصري الأثيوبي على قضية سد النهضة.

لقد ظل أجدادنا لقرون يحتكرون مهنة الجب (خصاء العبيد) الشنيعة في مصر. كان العبد الحبشي أو الأفريقي أو من أي بلد آخر بعد خطفه، يُرسل إلى صعيد مصر، حيث يتم بتر عضوه التناسلي ويُضمد بالشاش، بعد صب الزيت المغلي عليه، ويُدفن نصف جسمه في حفرة حتى يلتئم الجرح، ويصبح “أغا” (عبد مخصي يُسمح له بالبقاء مع الحريم) أو يلفظ التعيس أنفاسه الأخيرة بعد نزيف حاد يستمر لساعات. كانت نسبة الوفيات من جراء هذه العملية البربرية تصل إلى 25%؛ أي أن ربع هؤلاء المساكين كانوا يقاسون موتاً بطيئاً فظيعاً يستمر لساعات وربما أيام، على مدى قرون طويلة، حتى فرض الغرب تحريم الرق فرضاً على دول الشرق الإسلامية.

 

ومثل هذه الجرائم الاستعمارية والعدوان والاستغلال الوحشي الذي ارتكبه أجدادنا، لا يدرسه طلابنا في المدارس، ولا يكادون يعرفون عنه شيئاً، لأنه من المسكوت عنه في المناهج الدراسية، وفي وسائل الإعلام. كما لم يظهر إدوارد سعيد أثيوبي ومن ورائه آلة دعاية ضخمة، تساعده في تفكيك السردية “الاستحباشية” الزائفة القاصرة عند المصريين، كما لم يظهر إدوارد سعيد غربي يفكك السردية “الاستغرابية” عند العرب، ونظرتهم المثالية الرومانسية لتاريخهم المغسول بالدم، ورؤيتهم القذى في عيون الغرب وتغافلهم عن الخشب في عيونهم.

لقد غزا العرب العالم من الهند حتى البرتغال قبل عصر الاستعمار، أي أنهم كانوا في نظر أوروبا مغول حوض المتوسط قبل ظهور المغول. وناهيك من هذا، في العصر الحديث، كانت سلطنة عمان مثلاً، بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، تستعمر أراضي سبع دول. [هل سمعت مرة عن الإمبريالية العُمانية؟] والسؤال الآن: هل يجوز للمواطن الأفريقي اليوم أن يعد المواطن العماني المسالم امتداداً لجدوده المستعمرين؟ هل يحق لهذا المواطن الأفريقي أن يتكل عن سلطنة عُمان (سويسرا الشرق الأوسط) على أساس أنها سلطنة استعمارية؟! بل إن محاكم التفتيش ظهرت في الدولة العباسية في أوج الخلافة الإسلامية قبل أربع قرون من ظهورها في الغرب! إن من يعيشون في بيوت من الزجاج، لا ينبغي لهم رجم الناس بالحجارة.

تكمن الآفة أنه في حين يتبرأ الغرب من ماضيه الاستعماري، فإن الغالبية العظمى عندنا في الشرق الإسلامي تتباهى بتاريخها الاستعماري وتتفاخر وتتبجح به! مثل تفاخر الإسلاميين بغزوات الخلفاء المسلمين، اعتداد القوميين المصريين بعبقرية تحتمس الثالث وحملات محمد علي وابنه إبراهيم باشا، واعتزاز القوميين العراقيين بنبوخذ نصر ومن لف لفه من ملوك بابل وأشور العدوانيين، ومباهاة الأتراك بجرائم الاتحاد والترقي والسلاطين العثمانيين ضد الأرمن والآشوريين واليونانيين وشعوب البلقان والشرق الأوسط أو التغاضي عنها، وتباهي الجزائريين بعمليات السطو والخطف والقرصنة في حوض المتوسط، والقائمة تطول – ما من أحد يستقذر خراه.

“عقدة المستعمر” تجعل اليساري الشرقي يتناسى تاريخ أجداده الطافح بالدم والحافل بالغزو والجرائم، ويركز على الإرث الاستعماري الأوروبي لجدود البرتغالي والاسباني والهولندي والفرنسي والإنجليزي من المستعمرين الرأسماليين الذين وصلوا في نهاية تاريخ العبودية والاستعمار، والذين كان بعضهم أفضل من أجدادنا، لأن لهم الفضل في إلغاء الرق ومكافحة العنصرية والتبشير بالإخاء والحرية والمساواة، ووقف حفلة التعذيب التاريخية، التي استمرت لآلاف السنين.

 

لا يكتفي اليساري الشرقي بهذا، بل يشنع على أحفاد هؤلاء المستعمرين، ويشعرهم بعقدة الذنب، ويستعيد الإرث الاستعماري (الذي يستثني أجداده منه) كلما سنحت الفرصة، من أجل التشنيع على الغرب، وجعل الغربيين المحدثين وكأنهم امتداد لجدودهم المستعمرين الأوروبيين لأبد الآبدين! على الرغم من أن المواطن الغربي حاله من حال هذا اليساري الشرقي، لا ذنب له ولا له في العير ولا النفير، ولا دخل له ولا علاقة بهذا التاريخ الشائن الذي تورط فيه أجدادنا جميعاً. أي أن أحفاد مستعمرين يعايرون أحفاد مستعمرين آخرين، لأن أجدادهم -من سوء حظهم- كانوا آخر مستعمرين في تاريخ تطور الحضارة البشرية!

ترامب
ترامب

عقدة اليسار الإسلامي

وأما الليبراليون، خاصة في الشرق، فيوجد بينهم جناح يميني فاشي، كثير منه من المسيحيين الشرقيين، يعانون عقدة أسميها “عقدة اليسار الإسلامي”. هذه العقدة تجعلهم يؤيدون تأييداً مطلقاً أي شخص ضد الإسلام أو اليسار، حتى وإن كان شخصاً جاهلاً فاشياً، لا يؤمن بالمبادئ الليبرالية، مثل السيد ترامب. وأي ليبرالي يختلف معهم في هذا التوجه، يتهمونه بأنه يساري!

 هذا الجناح الفاشي يظن نفسه ليبرالياً، ولكن توصيفه الدقيق أنه “لا إسلامي” أو “لا يساري” لا أكثر ولا أقل. وإن أبلغ إهانة لنفسك أن تختصر قيمك في تعريف بالسلب، أن تكون مضاداً محضاً لشخص آخر، أو صورة شمسية سلبية منه! فليس لك وجود مستقل إلا من حيث كونك اعتراضاً على وجوده، فمتى انتهى أو اختفى انتهيت معه، وزالت بزواله هويتك.

إن الغضب من “إرهاب الإسلاميين” و”سذاجة اليساريين” في تعاونهم مع الإسلاميين وتواطؤهم معهم، تسببت في تحول هذا الجناح الليبرالي إلى ميليشا فاشية بدون سلاح. ميليشيا تحول ولاؤها من ولاء لقيم الحرية الليبرالية إلى ولاء أعمى لأي أحد أو نظام حكم يحارب أعداء الليبرالية في ظنهم. فتكون النتيجة أن المرء منهم يتحول دونما يشعر إلى عدو للقيم الليبرالية نفسها، التي يدافع عنها، ويدعي أنه حريص عليها!

فإن الليبرالية لا تجيز انتهاج أساليب فاشية حتى مع أعداء الليبرالية، وإلا فما الفارق بين الليبرالي والفاشي؟ وما الذي يميزه عن إرهاب الإسلامي للكفار أو الماركسي للرأسماليين والبرجوازيين؟ في يوم ما قال نيتشه: خذ حذرك وأنت تصارع الوحوش أن تصير واحداً منهم”. وهؤلاء الفاشيون استحالوا وحوشاً تتماهى قسرياً مع خصومهم من حيث لا يشعرون.

ومثلما أن اللاتسامح تهديد للحضارة، وهذه هي خطيئة الإسلامي، وأن التسامح مع اللامتسامح هو ضرب من اللاتسامح، وهذه هي خطيرة اليساري، فكذلك فإن تسويغ جرائم أعداء التسامح بغرض الانتقام من اللامتسامحين والمتسامحين معهم هو نفاق فاشي خبيث وخيانة للحرية، وهذه خطيئة الليبرالي.

احذر متلازمة بانغلوس

احذر متلازمة بانغلوس

Like 0
Liked Liked
الضحك العدواني.. كيف تصير العنصرية نكتة؟

الضحك العدواني.. كيف تصير العنصرية نكتة؟

Like 0
Liked Liked
Untitled design (2)

الضحك المأساوي.. لماذا يضحك المصريون؟

Like 6
Liked Liked
Like 0
Liked Liked

↑

@ 2024 Al-Kunnasha. All rights reserved.
Powered by Al-Kunnasha